الدكتورة سمر عبدالعظيم : ما بين مختبر الجريمة و عالم الكتابة – رحلة عبر الطب الشرعي والأدب

من خلال النظر في الأدلة الدقيقة التي قد تحدد مصير قضية جنائية، إلى صياغة الروايات التي تستكشف العمق النفسي للشخصيات المعقدة، تدعونا الدكتورة سمر عبدالعظيم لرحلة في عوالم متداخلة حيث العلم والأدب يلتقيان. فلنتابع معاً هذا الحوار الفريد الذي يقدم لنا فهماً جديداً لكيفية تأثير مهنتها كا طبيبة في إبداعها الأدبي المميز و الفريد

الدكتورة سمر عبدالعظيم : ما بين مختبر الجريمة و عالم الكتابة – رحلة عبر الطب الشرعي والأدب
الدكتورة سمر عبدالعظيم : ما بين مختبر الجريمة و عالم الكتابة – رحلة عبر الطب الشرعي والأدب

في عالم يسوده التخصص والفصل بين المجالات المعرفية، هناك من يتحدى هذه الحدود ويبدع في أكثر من ميدان. الدكتورة سمر عبدالعظيم ، ليست فقط طبيبة متخصصة في الطب الشرعي تعمل على فك طلاسم الجرائم من خلال علم الأدلة الجنائية، بل هي أيضاً كاتبة موهوبة قادرة على نسج الكلمات بمهارة توازي دقتها في التشريح. في هذا الحوار المثير الذي نقدمه لقرائنا في مجلة kiksee ، تكشف الدكتورة سمر عن تجربتها في الجمع بين شغفها بالطب الشرعي وحبها للكتابة، مستعرضة كيف أن كل مجال من مجالات عملها يغذي الآخر ويثري فهمها للعالم.

 

- كيف بدأ اهتمامك بمجال الطب الشرعي وما الذي جذبك نحو هذا التخصص بالتحديد؟

كنت قد تهيأت لأن أصبح طبيب أطفال حتي اصتدمت بالواقع أن المريض لا يشفى وأن الطب ما هو الا رقصة مع الموت معيار النجاح فيها هو تأجيل ذلك الحدث الجلل. شعرت أن قلبي لا يحتمعل معاناة المرضى وأهل المرضي والشعور بضآلة تأثيري ففكرت في التخصص في الطب الشرعي علي أصبح صوت من لا صوت له.

- هل يمكنك وصف تجربتك اليومية كطبيبة في الطب الشرعي؟ ما هي أكثر الجوانب تحديًا في عملك كطبيبة شرعية؟

منذ أعوام وأنا لا أعمل بالطب الشرعي ولكني أصبحت أكاديمية وظيفتي تطوير المنظومة التعليمية في الطب الشرعي خاصة والتعليم الطبي عامة ولكن الطبيب الشرعي بشكل عام ما هو الا طبيب حياته يقضيها بين الأموات والأحياء ممن ضاع حقهم لجريمة أو تورطوا في جرم أنفسهم. لا يعرف الطبيب الشرعي ما سيواجهه في يومه الا بعد أن يرميه القدر بالقضايا بحسب ما يرد الي المصلحة من جثامين أو حالات ترد ومعها أمر نيابة.

- كيف تجدين التوازن بين دورك كطبيبة شرعية وكاتبة في مجال أدب الجريمة ؟

الكتابة بالنسبة لي حالة حين أستشعرها لا يمكنني قهرها أو تأجيلها. لا تأتي بخطة موضعة ولا أرسم شخصيات قبل البدء في الكتابة. قبل أن تكتمل حالة الكتابة بأيام أستشعر أناس حولي أكاد لأراهم وأسمعهم... شخصيات تلح علي وتتفاخر أمامي بأشكالها وتنوعها ولا تهدأ الا بعد أن يتجسدوا علي الورق في سرد... لذلك قد تراني أكتب وأنا في وسط اجتماع أو وأنا أباشر أحدهم علي الهاتف. وحين أفرغ من الكتابة وتهدأ كل المشاعر وأعيد القراءة لا أستطيع أن أتصور أن هذه كلماتي... وكأني أقرأها للمرة الأولى. أعلم أن طقوس الكتابة عندي لا ترقي لمبدعين كتثيرين ولكنها الطقوس التس أجد أنها تنتج كتابة.

- من أين تستمدين الإلهام لكتاباتك في أدب الجريمة؟ هل تستند إلى قصص حقيقية من عملك في الطب الشرعي أم أنها خيالية بحتة؟

بالطبع هناك الكثير مما أكتب يرتبط بشكل مباشر مع مشاهداتي اليومية و في كثير من الأحيان من قضايا أقرأ عنها مثلي مثل الجميع ولكن تتشكل لدي رؤية خاصة بها فلأتطلع الي تصويرها ونقلها بشكل ابداعي. لكن الكتابة لها جانب تخيلي لا يمكن اغفاله لذلك أحب دائما أن أوضح أن الابداع المكتوب ان كان في صورة رواية أو مجموعة قصصية في مجال الطب الشرعي يجب الا يكون مصدرا لمعلومة خبرية ولكن ينبغي أالا يتنافى مع معلومة علمية .

- هل هناك تحديات أخلاقية تواجهينها عند الكتابة عن الجرائم أو الحالات الشرعية التي قد تكون حساسة؟ كيف تتعاملين مع هذه التحديات؟

بالطبع فللميت حرمة وفي كثير من الأحيان هناك قضايا حساسة والأهم من كل ذلك أن للتقاضي درجات فلا يجب التشهير بأحد حتي بعد الأحكام الأولية ولذلك فمن الأفضل أن يبتعد الكاتب عن استخدام أسماء أو ايحاءات فجة أو تطابق مبالغ فيه مع الوقائع لكيلا يقع في فخ الاتجار بقضايا البشر أو لعب دور القاضي.

- كيف ترين دور الطب الشرعي في تطوير العدالة الجنائية ومساعدة القضاء في الوصول إلى الحقيقة؟

الطب الشرعي هو أحد أجنحة العدالة ووجوده هو ضمان لقضاء مستنير عادل  بدونه فالقاضي ينقصه جلاء الرؤية ولذلك فمن الهام جدا أن يكون لدي المجتمع ثقة في الطب الشرعي كجزء من ثقته في منظومة العدالة.

- هل هناك تغيرات تقنية أو علمية جديدة في الطب الشرعي تعتقدين أنها ستغير من طريقة عمل المحققين في المستقبل؟

كل يوم يأتي بعلم جديد وتطور جديد  وأمل جديد لتمام العدالة. حتي الثمانينات لم يكن هناك بصمة وراثية ومنذ ظهرت تغير وجه العدالة ثم اكتشفت ال بي سي أر فأصبحت العينات الجافة صغيرة الحجم هي الأخرى مصدرا للحمض النووي. تغير عالم وعلم الجريمة منذ ذلك الحين وأصبح من الممكن اعادة فتح قضايا قديمة والبت فيها بالعلم.

- ما هو الكتاب الذي كتبته وتفخرين به أكثر من غيره؟ ولماذا؟ و ماذا عن كتابميت مطلوب للشهادة ؟

مجموعة قصصية تحتوي على ١٧ قصة أبطالها قد رحلوا و تتنوع فيها أسباب الوفاة ما بين قتل و حالة انتحار و موت حادثي... مع كل قصة محاولة الكشف عن الأسباب التى أوصلت المجني عليه إلى غرفة المشرحة و الوصول إلى مواصفات الجاني من تعدد حالات الموت تتأكد من عنوان الكتاب " حكايات من أروقة الطب الشرعي

منذ العنوان يقفز إلى ذهنك سؤال عن تصنيف العمل فتظن أنك ستجد مشاهد رعب التى سرعان ما يذهب تأثيره ثم مع المقدمة تجد وجبة ثقافية ممتعة مبسطة عن الطب الشرعي و نشأته في عجالة تناسب جميع القراء و تمهيد لمعرفة أهمية الطب الشرعي و دورها في كل قصة و كيف تغير مسار كل حالة، ثم بعد ذلك تجد بعض القصص تحت أدب الجريمة و بعضها سيكولوجي و أخرى تتعلق بالمجتمع

مع نهاية كل قصة بعد أن تندمج معها بمشاعرك و تدخل في حالة حزن تعاطفاُ مع المجني عليه أو كرهاً في الجاني تخرج منها برأي الطب الشرعي و العلم في ظروف كل حادثة لتجد نفسك انتقلت من أدب القصص القصيرة إلى كتاب به مادة علمية

الكتاب هو محاولة لدمج العلم والأدب ايمانا مني أن العلم يجب الا يكون حكرا على أحد وأن الناس يجب أن يعرفوا الحقائق ليستشعرول قيمة الطبيب الشرعي ودور الطب الشلرعي في المجتمع.

- كيف تقيمين دقة تصوير الطب الشرعي في الأفلام والمسلسلات ؟

منها الجيد ومنها دون ذلك وأتمني في العموم أن يكون دائما هناك مدققا علميا يتابع التناول وطريقته ليتلافى الأخطاء التي من الممكن أن تحدث نتيجة سوء تقدير أو عدم المعرفة.

- كيف تتعاملين مع الجانب النفسي لعملك، خاصة بعد التعامل مع حالات مروعة؟

الطبيب بوجه عام مدرب للتعامل مع المآسي الانسانية. التعامل مع الجثامين لا يؤرقني ولكن يؤرقني العنف وبالاخص اذا كان غير مبرر. علم الحريمة علم شاسع ومن الصعب الالمام به بشكل كامل لأنه علم يتغير بحسب معطيات المجتمع الذي حدثت فيه الجريمة وبالتالي لازال مجال مفتوح يتحمل الكثير من البحث والفهم. يخيفني كثيرا كيف أن الجريمة أقرب مما نتخيل وأن أي منا من الممكن أن يصدر عنه العنف اذا صادف ظرفا غير عادي. هذا هو أكث ما يخيفني.

- ما الذي دفعك لكتابة كتب حول علم الجريمة وما هي الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلال كتاباتك؟

لفترة طويلة كنت أرقب الكتب الموجودة في السوق والتي تتعامل مع الطب الشرعي فوجدت انها اما كتب بها علم جامد وأخري بها خرافة والمسافة بين الاثنين كبيرة جدا. وجدت عزوفا من الناس عن قراءة العلم لصالح الخرافة. أخافني ذلك كثيرا وشعرت أن هناك واجب لا يمكن اغفاله نحو المجتمع واذا بقي العلم خاصية من خصائص النخبة فاننا نترك المجتمع فريسة الخرافة. فكرت أن أعيد صياغة الحقيقة في ثوب من الحكي المحببللناس والذي يغاطب اهتمامهم بحكايات الموت وما بعده. هكذا ولدت فكرة ميت مطلوب للشهادة.

 

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow